أبيات شعر عن الصداقة
تطلّع الفلاسفةُ اليونانيّونَ إلى وضع مفهومٍ جامعٍ عن الصداقة، فعرّفوا الصديق أنّه الذاتُ الأخرى، وكذلك وضعَ الشعراءُ القدماءُ والمُحدَثون تصوّرًا شعريًّا عن هذا المفهومِ كلٌّ حسبَ تصوُّرِه.
قال البحتري:
كَمْ صَدِيقٍ عرَّفْتُهُ بِصَديقِ صَارَ أَحْظَى مِنَ الصَّدِيقِ العتِيقِ
وَرَفِيقٍ رَافَقْتُهُ في طَرِيقٍ صَارَ بَعْدَ الطَّريقِ خَيْرَ رَفِيقِ
قال الإمام الشافعي:
صَدِيقٌ لَيْسَ يَنْفَعُ يَوْمَ بُؤْسٍ قَرِيبٌ مِنْ عَدُوٍّ في الْقِيَاسِ
وَمَا يَبْقَى الصَّدِيقُ بِكُلِّ عَصْرٍ ولا الإخوانُ إلا للتآسي
عَمَرتُ الدَّهرَ ملتمسًا بجُهدي أخا ثقةٍ فألهاني الْتِماسي
تنكرتِ البلادُ ومَن عليها كَأنَّ أُنَاسَهَا لَيْسُوا بِنَاسِ
وقال أيضًا:
إذا المَرءُ لا يَرعاكَ إِلّا تَكَلُّفا فَدَعهُ وَلا تُكثِر عَلَيهِ التَأَسُّفا
فَفِي النَّاسِ أبْدَالٌ وَفي التَّرْكِ رَاحةٌ وفي القلبِ صبرٌ للحبيب ولو جفا
فَمَا كُلُّ مَنْ تَهْوَاهُ يَهْوَاكَ قلبهُ وَلا كلُّ مَنْ صَافَيْتَه لَكَ قَدْ صَفا
إذا لم يكن صفو الوداد طبيعةً فلا خيرَ في ودٍّ يجيءُ تكلُّفا
ولا خيرَ في خلٍّ يخونُ خليلهُ ويلقاهُ من بعدِ المودَّةِ بالجفا
وَيُنْكِرُعَيْشًا قَدْ تَقَادَمَ عَهْدُهُ وَيُظْهِرُ سِرًّا كان بِالأَمْسِ قَدْ خَفَا
سَلامٌ عَلَى الدُّنْيَا إذا لَمْ يَكُنْ بِهَا صَدِيقٌ صَدُوقٌ صَادِقُ الوَعْدِ مُنْصِفَا
قال ابن الرومي:
لي صديقٌ صامتيٌّ قُحْطُبيٌّ باحتيالِهِ
أكرمُ الجِنّة والإنْ سِ على قلةِ مالِه
لا أُسمّيه عَساهُ لا يُراءى بفعالِه
قال ابن المعتز:
تشاغلَ عنا صديقٌ لنا وصارَتْ مَوَدّتُه كَزّهْ
وصارَ إذا جاءَنا بالسّلا مِ في مشيهِ عاجَلَ القفزهْ
وكانتْ مودتهُ حلوةً فصارتْ مودتهُ مَزَّهْ
ويسترُ من خجلٍ وجهَه ويمشي فيعثرُ في الرزهْ
قال كثير عزة:
صَدِيقُكَ حينَ تَسْتَغْني كَثيرٌ وما لكَ عند فقركَ منْ صديقِ
فلا تنكِرْ على أحدٍ إذا ما طَوَى عَنْكَ الزِّيَارَةَ عندَ ضِيقِ
وكنتُ إذا الصَّديقُ أراد غيظي على حَنَقٍ وأَشْرَقني بِرِيقي
غفرتُ ذنوبهُ وصفحتُ عنهُ مخافةَ أن أكونَ بلا صديقِ
قال أدونيس:
في العامِ الألفيْنِ
أعني الآنَ، عنيتُ غدًا، أو بعدَ غدِ، أدعوكَ إلى مائدتي
وتكونُ الشمسُ، يكونُ الماءُ، يكون العشبُ ضيوفًا
نتخاصمُ، أيَّ رؤانا أعصفُ
أيُّ خُطانا أنأى
نتصالحُ تحتَ سماءِ الشعر
ونعلنُ مملكةَ الخصميْنْ
ووَحدةَ هذينِ الخصميْن
قال أبو العتاهية:
ألا إنّما الإخْوانُ عِنْدَ الحَقائِقِ ولا خيرَ في ودِّ الصديقِ المُماذِقِ
لَعَمْرُكَ ما شيءٌ مِنَ العَيشِ كلّهِ أقرُّ لعيني من صديقٍ موافقِ
وكلُّ صديقٍ ليسَ في اللهِ ودُّهُ فإنّي بهِ، في وُدّهِ، غَيرُ وَاثِقِ
أُحِبُّ أخاً في اللّهِ ما صَحّ دينُهُ وَأُفْرِشُهُ ما يَشتَهي مِنْ خَلائِقِ
وَأرْغَبُ عَمّا فيهِ ذُلُّ دَنِيّةٍ وَأعْلَمُ أنّ اللّهَ، ما عِشتُ، رَازِقي
صَفيٌّ منَ الإخوانِ كُلُّ مُوافِقٍ صبورٍ على ما نابَهُ من بوائِقِ