الصحابي الجليل زيد الخير : قصته في الجاهلية وكيف تعامل مع من سرقه !!؟ (الجزء الأول)
هذه هي القصة الثالثة من سلسلة #صور_من_حياة_الصحابة
وهي للصحابي الجليل (زيد الخير) رضي الله عنه :
الناس معادن خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام ، فإليكم صورتين لصحابي جليل خطت أولاهما يد الجاهلية ، و أبدعت أخراهما أنامل الإسلام ، ذلك الصحابي هو ( زيد الخيل ) كما كان يدعوه الناس في جاهليته ، و ( زيد الخير ) كما دعاه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بعد إسلامه .
أما الصورة الأولى فترويها كتب الأدب فتقول : حكى الشيباني عن شيخ من بني عامر قال : أصابتنا سنة مجدبة هلك فيها الزرع و الضرع ، فخرج رجل منها بعياله إلى (الحيرة) وهي مدينة بالعراق ، و تركهم فيها ، و قال لهم : انتظروني هنا حتى أعود إليكم .
ثم أقسم ألا يرجع إليهم إلا إذا كسب لهم مالا أو يموت ، ثم تزود زادا ومشى يومه كله حتى إذا أقبل الليل وجد أمامه خيمة وبالقرب من الخيمة مُهر مقيد فقال : هذا أول الغنيمة ، و توجه إليه وجعل يحل قيده ، فما إن همّ بركوبه حتى سمع صوتا يناديه : خلِّ عنه و اغنم نفسك ، فتركه و مضى .
ثم مشى سبع أيام حتى بلغ مكانا فيه مراح للإبل ، وبجانبه خباء عظيم فيه قبة من أدم يعني من جلد تشير إلى الثراء والنعمة ، فقال الرجل في نفسه : لابد لهذا المراح من إبل ولابد لهذه الخيمة من أهل ، ثم نظر في الخيمة و كانت الشمس تدنو من المغيب فوجد شيخا فانيا في وسطها ، فجلس خلفه وهو لا يشعر به .
و ماهو إلا قليل حتى غابت الشمس ، وأقبل فارس لم يرا قط فارس أعظم منه ولا أجسم ، قد امتطى صهوة جواد عال وحوله عبدان يمشيان عن يمينه وشماله ومعه نحو مائة من الإبل أمامها فحل كبير ، فبرك الفحل ، فبركت حوله النوق .
وهنا قال الفارس لأحد عبديه : احلب هذه وأشار إلى ناقة سمينة واسق الشيخ فحلب منها حتى ملئ الإناء ، ووضعه بين يدي الشيخ و تنحى عنه ، فجرع منه الشيخ جرعة أو جرعتين وتركه ، قال الرجل : فدببت نحوه متخفيا ، و أخذت الإناء وشربت كل ما فيه فرجع العبد وأخذ الإناء وقال : يا مولاي لقد شربه كله .
ففرح الفارس وقال : احلب هذه و أشار إلي ناقة أخرى وضع الإناء بين يدي الشيخ ففعل العبد ما أمر به، فجرع منه الشيخ جرعة واحدة و تركه ، فأخذته وشربت نصفه و كرهت أن آتي عليه كله حتى لا أثير الشك في نفس الفارس ، ثم أمر الفارس عبده الثاني بأن يذبح شاة ، فذبحها
فقام إليها الفارس وشوى للشيخ منها وأطعمه بيديه حتى إذا شبع جعل يأكل هو وعبداه وما هو إلا قليل حتى أخذ الجميع مضاجعهم و ناموا نوما عميقا له غطيط .
عند ذلك توجهت إلى الفحل فحللت عقاله وركبته ، فاندفع و تبعته الإبل ومشيت ليلتي ، فلما أسفر النهار نظرت في كل جهة فلم أر أحدا يتبعني فاندفعت في السير حتى تعالى النهار ، ثم التفت التفاتة فإذا أنا بشيء كأنه نسر أو طائر كبير ، فما زال يدنو مني حتى تبينته فإذا هو فارس على فرس ، ثم مازال يقبل علي حتى عرفت أنه صاحبي جاء ينشد إبله .
عند ذلك عقلت الفحل يعني ربطت الجمل وأخرجت سهما من كنانتي ووضعته في قوسي وجعلت الإبل خلفي فوقف الفارس بعيدا ، وقال لي : احلل عقال الفحل ، فقلت : كلا لقد تركت ورائي نسوة جائعات ( بالحيرة ) وأقسمت ألا أرجع إليهن إلا و معي مال أو أموت .
قال : إنك ميت ، احلل عقال الفحل لا أبا لك ، فقلت : لن أحله ، فقال : ويحك إنك لمغرور ، ثم قال : دَلِّ زمام الفحل وكانت فيه ثلاث عقد ثم سألني في أي عقدة منها أريد أن يضع لي السهم فأشرت إلى الوسطى فرمى السهم فأدخله فيها حتى لكأنما وضعه بيديه ، ثم أصاب الثانية والثالثة .
عند ذلك أعدت سهمي إلى كنانتي ووقفت مستسلما فدنا مني وأخذ سيفي وقوسي ، وقال : اركب خلفي فركبت خلفه فقال : كيف تظن أني فاعل بك ؟ فقلت : أسوأ الظن ، قال : و لم ؟ قلت : لما فعلته بك وما أنزلته بك من عناء وقد أظفرك الله بي .
فقال : أوتظن أني أفعل بك سوءا وقد شاركت (مهلهلا) يعني أباه في شرابه وطعامه وسامرته تلك الليلة ، فلما سمعت اسم مهلهل ، قلت : أزيد الخيل أنت ؟ قال : نعم ، فقلت : كن خير آسر ، فقال : لا بأس عليك ومضى بي إلى موضعه وقال : و الله لو كانت هذه الإبل لي لسلمتها إليك ولكنها لأخت من أخواتي .
فأقم عندنا أياما فإني على وشك غارة قد أغنم منها، وما هي إلا أيام ثلاثة حتى أغار على بني (نمير) فغنم قريبا من مائة ناقة فأعطاني إياها كلها ، وبعث معي رجالا من عنده يحمونني حتي وصلت (الحيرة) ،
تلك كانت صورة زيد الخيل في الجاهلية، أما صورته في الإسلام فهي ما سنعيشها معه بإذن الله في الجزء الثاني فانتظرونا.