الصحابي الجليل زيد الخير وأول لقاء مع النبي ﷺ وكيف أسلم؟ ( الجزء الثاني )
سردنا في الجزء الأول سيرة زيد الخير كما سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم، تلك الصورة التي كانت في الجاهلية والتي ظهر فيها كرمه ونبله وشهامته وأصالة معدنه
رابط الجزء الأول : https://youtu.be/siU-FM1MqHQ
أما صورته في الإسلام فتجلوها كتب السير فتقول : لما بلغت أخبار النبي صلي الله عليه وسلم سمع زيد الخيل ووقف علي شئ مما يدعو إليه أعد راحلته ودعا السادة الكبراء من قومه إلي زيارة (يثرب) ولقاء النبي صلى الله عليه وسلم فركب معه وفد كبير من (طيئ) فيهم زُرٌ بن سَدوس ومالك بن جبير وعامر بن جوين وغيرهم وغيرهم .
فلما بلغوا المدينة توجهوا إلى المسجد النبوي الشريف وأناخوا ركائبهم ببابه وصادف عند دخولهم أن كان الرسول صلى الله عليه وسلم يخطب المسلمين من فوق المنبر فراعهم كلامه وأدهشهم تعلق المسلمين به وإنصاتهم له وتاثرهم بما يقول : ولما أبصرهم الرسول صلي الله عليه وسلم قال : يخاطب المسلمين : ( إني خير لكم من العُزى ومن كل ما تعبدون ، إني خير لكم من الجمل الأسود الذي تعبدونه من دون الله ) .
لقد وقع كلام الرسول صلى الله عليه وسلم في نفس زيد الخيل ومن معه موقعين مختلفين فبعض استجاب للحق وأقبل عليه وبعض تولي عنه واستكبر عليه ، فريق في الجنة وفريق في السعير أما ( زٌرُ بن سَدوس ) فما كاد يري الرسول صلي الله عليه وسلم في موقفه الرائع تحفه القلوب المؤمنة وتحوطه العيون الحانية حتي دب الحسد في قلبه و ملأ الخوف فؤاده .
ثم قال لمن معه : إني لأري رجل ليملكن رقاب العرب ، والله لا أجعله يملك رقبتي أبدا ، ثم توجه إلي بلاد الشام وحلق رأسه وتنصر وأما زيد والآخرون فقد كان لهم شأن آخر ، فما إن انتهي الرسول صلي الله عليه وسلم من خطبته حتى وقف زيد الخيل بين جموع المسلمين .
وكان من أجمل الرجال جمالا وأتمهم خلقة وأطولهم قامة حتى أنه كان يركب الفرس فتخبط رجلاه علي الأرض كما لو كان راكبا حمار ا ، وقف بقامته الممشوقة وأطلق صوته الجهير وقال : يا محمد أشهد أن لا إله إلا الله وإنك رسول الله فأقبل عليه الرسول الكريم صلي الله عليه وسلم ، وقال : من أنت ؟ قال : أنا زيد الخيل بن مهلهل ، فقال له الرسول صلي الله عليه وسلم : بل أنت زيد الخير ، لا زيد الخيل .
الحمد لله الذي جاء بك من سهلك وجبلك ورقق قلبك للإسلام ، فعرف بعد ذلك بزيد الخير ، ثم مضى به الرسول صلي الله عليه وسلم إلى منزله ومعه عمر بن الخطاب ولفيف من الصحابة فلما بلغوا البيت طرح الرسول صلي الله عليه وسلم لزيد متكأ ، فعظم عليه أن يتكئ في حضرة الرسول صلى الله عليه وسلم ورد المتكأ و ما زال يعيده الرسول صلى الله عليه وسلم له وهو يرده ثلاثا .
ولما استقر به المجلس قال الرسول صلي الله عليه وسلم لزيد : ( يا زيد ما وصف لي رجل قط ثم رأيته إلا كان دون ما وصف به إلا أنت) ، ثم قال له : يا زيد، إن فيك لخصلتين، يحبهما الله ورسوله" قال : (وما هما يا رسول الله ؟)قال : "الأناة والحلم"فقال صلى الله عليه وسلم : ( هذه علامة الله فيمن يريد ) فقال زيد : الحمد لله الذي جعلني على ما يريد الله ورسوله ثم التفت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال له : أعطني ثلاثمائة فارس وأنا كفيل لك على أن أغير بهم علي بلاد الروم وأنال منهم فأكبر الرسول صلى الله عليه وسلم همته هذه وقال له : ( لله درك يا زيد ، أي رجل أنت ؟ ) .
ثم أسلم مع زيد جميع من صحبه من قومه ولما هم زيد بالرجوع هو ومن معه إلى ديارهم في ( نجد ) ودعه النبي صلى الله عليه وسلم وقال : ( أي رجل هذا ؟ كم سيكون له من الشأن لو سلم من وباء المدينة ) وكانت المدينة المنورة آنذاك موبوءة بالحمى ، فما إن بارحها زيد الخير حتى أصابته .
فقال لمن معه : جنبوني بلاد (قيس) فقد كانت بيننا حماسات من حماقات الجاهلية ولا والله لا أقاتل مسلما حتى ألقى الله عز وجل ، تابع زيد الخير سيره حتى ديار أهله في ( نجد ) على الرغم من أن وطأة الحمى كانت تشتد عليه ساعة بعد أخرى فقد كان يتمنى أن يلقى قومه و أن يكتب الله لهم الإسلام على يديه .
و طفق يسابق المنية والمنية تسابقه لكنها ما لبثت أن سبقته فلفظ أنفاسه الأخيرة في بعض طريقه ولم يكن بين إسلامه وموته متسع لأن يقع في ذنب .
رضي الله عن زيد الخير عن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أجمعين ورزقنا الله السير على خطاهم حتى نلقى الله اللهم آمين .